المصارف الاسلامية - قواعد ومرتكزات

المقدمــــة

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على خاتم الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد  ، القائل: (تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا أبدا بعدي: كتاب الله وسنتي)، وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه واتبع هداه إلى يوم الدين، وبعد؛

فإن الناظر في مقتنيات المكتبة الإسلامية ليبحث عن كتاب متكامل في المصارف الإسلامية للمبتدئين، يجد نفسه أمام مجموعة من الكتب صيغت في مجملها بطريقة تكاد تكون أقرب إلى التخصص، أو أنها صيغت بطريقة تصلح لتكون جزءا من منهاج متكامل في الاقتصاد والمصارف الإسلامية؛ فتجد كتبا أو دراسات في موضوعات المضاربة أو المرابحة للآمر بالشراء أو الإجارة والمشاركة بأنواعها، إلى كتب تتحدث عن مشاكل المصارف الإسلامية، وأخرى عن علاقة المصارف الإسلامية بالبنوك المركزية وغيرها من المؤسسات، وعن الرقابة الشرعية أو النظم المحاسبية التي تحكم عمل المصارف الإسلامية... إلى غير ذلك من موضوعات، وهذه كلها تناسب طلبة العلم الذين يريدون أن يتخصصوا في هذا المجال أو يتعمقوا فيه أو الباحثين في بعض موضوعاته، أما أولئك الذين يريدون معرفة القواعد

 والمرتكزات الأساسية التي تحكم عمل المصارف الإسلامية، أو أولئك المنتظمين في برامج اكاديمية تتضمن مادةً واحدةً حول المصارف الإسلامية، فتكاد تفتقر المكتبة لتلبية احتياجاتهم.

ولأن المصارف الإسلامية جزء من النظام الاقتصادي الإسلامي، بل إنها تمثل الجانب التطبيقي والمرآة التي تعكس هذا النظام، والذي بدوره يشكل جزءأ من الشريعة الإسلامية والدين الإسلامي، جنبا إلى جنب مع النظام الاجتماعي الذي يحكم صلة الأفراد ببعضهم البعض، والنظام السياسي للحكم وإدارة شؤون الدولة، ونظام التشريع ونظام القضاء ونظام العقوبات... وغيرها، فقد جاءت فكرة هذا الكتاب، لتعطي القاريء فكرة عن مرتكزات الاقتصاد الإسلامي التي تستند عليها المصارف الإسلامية في عملها، لأن فهم طبيعة المصارف الإسلامية وخصائصها وأهدافها تقتضي التعرف على خصائص النظام الاقتصادي الإسلامي بشكل خاص والشريعة الإسلامية بشكل عام، لأن الفرع هو صورة عن الأصل، ولأن المصارف الإسلامية والاقتصاد الإسلامي يرتبطان بالدين ارتباطاً تاماً، من هنا كان لزاماً معرفة خصائص الشريعة الإسلامية والاقتصاد الإسلامي، هذا الاقتصاد الحركي والتعبدي، والمنضبط بالمبادئ التي أساسها التعاون، والايثار، والاعتدال، وتحكمه القيم الأخلاقية وليست المادية في كل شيء، وفوق هذا وذاك فهو اقتصاد متوازن؛ يوازن بين المادة والروح ويوازن بين الدنيا والآخرة. ومن هنا فإن هذا الكتاب يخدم بشكل أساسي الطلاب الذين يدرسون في تخصصات العلوم المالية والمصرفية وتفرعاتها، والتي لا تتضمن خططهم الدراسية أي مواد حول أساسيات الاقتصاد الاسلامي والمالية الإسلامية، كما يخدم الاشخاص الراغببين بالتعرف على مبادئ الاقتصاد الإسلامي والمصارف الاسلامية وطبيعة عملها، وما الذي يميزها عن المصارف التقليدية.

هذه بعض الملامح التي تنطلق منها موضوعات هذا الكتاب، والتي جاءت في عشرة فصول، حيث تناول الفصل الأول خصائص الشريعة الإسلامية وأثرها على عمل المصارف الإسلامية، وتناول الفصل الثاني المال وأحكامه، تمهيداً للفصل الثالث الذي تناول الاستثمار ومقاصده وضوابطه، انتقالاً للفصل الرابع الذي تناول المعاملات المالية والقواعد التي تحكمها واصول مشروعيتها، ثم جاء الفصل الخامس للتعريف بالربا وأنواعه ومقارنته بالأجر والربح، حيث شكلت هذه الفصول الخمسة الأولى أهم الاسس التي تقوم عليها المالية الإسلامية، لينتقل بعد ذلك الفصل السادس للحديث عن نشأة المصارف الإسلامية، وفي الفصل السابع عن مفهومها وخصائصها وأهدافها، وصولاً إلى الفصل الثامن الذي تناول الموارد المالية للمصارف الإسلامية، وانتهاءً بالفصلين التاسع والعاشر اللذان تناولا استخدامات الأموال في المصارف الإسلامية وأساليب الاستثمار فيها من خلال عقود المضاربة والمشاركة والمرابحة للآمر بالشراء كونها الأكثر استخداماً في عمليات المصارف الإسلامية، ثم بشيء من الايجاز عقود المزارعة والمساقاة، والإجارة والسلم، والاستصناع والتورق، بهدف التعرف على بعض هذه الأدوات دون التوسع فيها، على أمل أن يتم تناولها في دراسات لاحقة بإذن الله تعالى.

والله أسأل أن يكون هذا الكتاب لبنة في بناء مكتبة الاقتصاد الإسلامي، وإضافة حقيقية لهذه المكتبة وللباحثين والمطالعين والدارسين لهذا الموضوع الحيوي والهام.

ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة.

الدكتور

أحمد محمد الجيوسي