تطوير الكفاءات البشرية والتميز في الاداء

مقدمة الكتاب:

إن ارتفاع حدة المنافسة في الاقتصاد العالمي والتغير التكنولوجي المتسارع، حتم على المنظمات العمل على التطوير والتحسين المستمر. وأصبحت المنظمات المعاصرة بكافة أشكالها تركز جل اهتمامها على تطوير استراتيجيات تضمن لها مجاراة ما تفرضه البيئة سريعة التغيير، من خلال البحث عن الأسلوب الذي يجعلها متميزة ومتفرّدة في أدائها.

فالمنظمات اليوم تعيش تحولات عميقة بسبب ما يجري في محيطها بكل مكوناته وعلى كل المستويات، وبالأخص في ظل سيادة الاقتصاد المعرفي الذي صاحبه تطور كبير ونوعي في مجال الإدارة؛ استلزم بالضرورة تطورا نوعيا كذلك في إدارة العنصر البشري بالمنظمات. إذ باتت المنظمات المعاصرة على اختلاف أشكالها لا تعبأ بالعنصر البشري غير المؤهل وغير الكفء، هذا فضلا عن أن التغيير الذي بات سمة أساسية للعصر إنما تصنعه وتجسده الكفاءات البشرية ذات المعارف والمهارات والقادرة على الإبداع والتطوير والتجديد حسبما تقتضيه الظروف.

بغض النظر عن حجم ونوع المنظمة وأهدافها الإستراتيجية، فإنه يقع على عاتقها تطبيق نظام فعال وقوي لضمان البقاء والقدرة على مواكبة عالم أعمال محوره رأس المال غير الملموس وركيزته المعرفة وإدارتها، ومنهجه المتكامل والشامل هو التميّز في الأداء. ومهما اختلف أسلوب البحث عن التميز من منظمة لأخرى، إلا أنه بات من المتفق عليه أن أفضل الأساليب هو التركيز على الكفاءات البشرية على اعتبارها أكثر موجودات المنظمة أهمية، ومصدر كل الموجودات الأخرى ملموسة كانت أو غير ملموسة.

باعتبار الكفاءات البشرية فردية كانت أو جماعية أو حتى تنظيمية أهم عوامل النجاح في هذا المحيط الدائم التغيّر، وبالنظر إلى أهميتها ومكانتها بالمنظمة على اعتبارها العنصر الحساس والاستراتيجي للموارد غير الملموسة بها والمكون الرئيسي لرأس مالها البشري، ونظرا للبعد الاستراتيجي الذي أصبحت تتميز به الكفاءات البشرية وما تحققه من تميز للمنظمات، فإنه لابد من الحفاظ عليها وتنميتها والعمل على تطويرها بشتى الوسائل والطرق المعاصرة.

إن تطوير الكفاءات يعتبر عملية صعبة ومعقدة تتطلب تضافر الجهود بالمنظمة لاستغلال معارف ومهارات وسلوك الكفاءات البشرية على نحو صحيح، من خلال الاستعانة بالعديد من الطرق والمداخل التي تتبناها إدارة الموارد البشرية كونها المعني الأول بهذه العملية، أخذا بعين الاعتبار تلاؤم هذه المداخل مع استراتيجيات المنظمة، أهدافها، ونوعية الكفاءات المتوفرة بها.

كما يعتبر تطوير الكفاءات من أهم الاتجاهات المعاصرة في استثمار وتنمية وتنشيط رأس المال البشري بالمنظمات، من خلال دفع السلوكيات والمعارف والخبرات نحو التطور والتعلم المستمر. على اعتبار مكونات الكفاءة البشرية ممثلة في المعرفة (Savoir)، الممارسة (Savoir-faire)، السلوك (Savoir-être)، الصفات، الدوافع والمفهوم الذاتي؛ تشكل ركائز تحقيق التميز في أداء المنظمات من خلال الإبداع والابتكار والتحكم في التكنولوجيا، علاوة على الاستجابة السريعة لمتطلبات التغيير. وهذا ما يستدعي العمل المستمر على تحسين وتفعيل عملية تطوير الكفاءات البشرية فردية كانت أو جماعية أو حتى تنظيمية، خلال التدريب، التعليم، التحفيز، التمكين، تطوير فرق العمل وتنمية العقول عالية التميز.

قد تم تقسيم الكتاب إلى خمسة فصول، خصص الفصل الأول منها لدراسة وتحليل مفهوم الكفاءات البشرية على اعتبارها أهم مداخل الاستثمار في رأس المال البشري بالمنظمات، وذلك من خلال توضيح مفهوم وأبعاد الكفاءة وأهم المصطلحات المرتبطة بها، مرورا بأهم مقاربات الكفاءة البشرية وخصائصها، ووصولا إلى ذكر أهم أنواع الكفاءة البشرية.

يتم التطرق في الفصل الثاني إلى الأساسيات في تسيير الكفاءات بالمنظمة من خلال توضيح مفهوم التسيير التقديري للوظائف والكفاءات وأدواته، ثم الانتقال إلى مفهوم تسيير الكفاءات ومراحله المختلفة. ليتم التركيز في الفصل الثالث على أهم مراحل تسيير الكفاءات ممثلة في تطوير الكفاءات، من خلال عرض الإطار المفاهيمي لعملية التطوير، وأهم أساليب تطوير الكفاءات البشرية فردية كانت أو جماعية أو حتى تنظيمية.

في حين يخصص الفصل الرابع لتميّز الأداء من خلال إعطاء نظرة عامة عن الأداء المتميّز، دوافع البحث عن التميّز، أهم معيقات التميّز وعرض أهم نماذج التميّز، لنصل بعدها إلى ثقافة التميّز بالمنظمات وأهم مجالاته. لنصل في الفصل الخامس والأخير إلى توضيح الدور الحساس لتطوير الكفاءات البشرية في تحقيق الأداء المتميز بالمنظمات، من خلال التعرف بداية على العلاقة بين كل من رأس المال البشري والأداء المتميز، وأهم مجالات التميز التي يمكن تحقيقها من خلال الاستثمار في رأس المال البشري، ليتم التطرق بعدها إلى كل من الكفاءات المحورية وقيمة العمل كأساس للتميز في الأداء وكنتيجة حتمية لعملية التطوير.