نظرية القرارات - نماذج واساليب كمية محوسبة

المقدمـــــــة

يعيش العالم اليوم عصر المعلومات وأنظمتها وتقنياتها والبحث عن أفضل استخدام لها بأقل تكلفة لإنتاجها، وذلك لأن المعلومات السليمة تؤدي إلى قرارات سليمة ومن ثم تؤثر إيجاباً على موارد المجتمعات وثرواتها، بالتالي على رفاهية أفرادها. 

إنّ نظرية القرارات من النظرية الحديثة التي تمثل أسلوباً متميزاً ومتطوراً في تحليل المعلومات تحليلاً كمياً، يتفق مع توجهات الإدارة في القطاعات الاقتصادية المختلفة لدراسة العوامل المادية وغير المادية للمشاكل الإدارية بأسلوب علمي سليم، وذلك بالاستعانة بالحواسيب واستخدام الأساليب الكمية المختلفة المتمثلة بالطرق الإحصائية وبحوث العمليات، للوصول إلى قرارات أكثر دقة ومنطقية. 

إن التخطيط الجيد والمبكر لدراسة المعلومات وتسخيرها لخدمة الإنسان يعترضه مشاكل عديدة، بسبب: نقص الخبرة والتنظيم لدى متخذي القرار أو عدم الرغبة في التجديد ومواكبة التطور التكنولوجي، إذ إن بعض الإدارات التي 

تعودت على اتخاذ قراراتها بناءً على الرأي الشخصي والتقديرات الشخصية التي تتلاءم مع مصالحها سوف ترفض إعطاء دور للأسلوب العلمي الذي ربما سيضر بمصالحها. 

أضف إلى ذلك ندرة المراجع العربية التي يمكن الاستعانة بها في هذا المجال، كما أن المراجع الأجنبية تتناول نظرية القرارات ضمن أساليب بحوث العمليات والتحليل الكمي في الإدارة، فهي لا تفي بعدد كثير من موضوعاتها النظرية أو تتطلب مستوى عالياً من المعرفة المسبقة في الرياضيات والإحصاء. 

كل هذه الأمور كانت حافزاً لنا لإعداد هذا الكتاب الذي يتضمن المفاهيم الأساسية لنظرية القرارات والمواقف المختلفة لاتخاذ القرار، وبعض الأساليب المساعدة على اتخاذ القرار، وقد توخينا لتحقيق ذلك سهولة العرض واستخدام الأمثلة التوضيحية لشرح المفاهيم المختلفة، وتجنبنا البراهين والتوسعات الرياضية غير الضرورية حتى يسهل على القارئ استيعاب هذا الكتاب وفهم جوانبه التطبيقية. 

وقد استعنا بالرموز المستخدمة عادة في المراجع الأجنبية المتخصصة في هذا المجال؛ لندرة المتاح من كتابات باللغة العربية، وعدم الاتفاق مع الحروف العربية التي يمكن استخدامها، وحتى لا يجد القارئ صعوبة في الرجوع للمراجع الأجنبية. 

تضمن هذا الكتاب عشرة فصول، عرفنا في الفصل الأول نظرية القرارات وعلاقتها بالعلوم الأخرى والحاسوب. وفي الفصل الثاني تناولنا بنية النماذج القرارية وأساليب اتخاذ القرارات ثم درسنا في الفصل الثالث معايير القرار في حالة عدم التأكد التام والمخاطرة، أما في الفصلين الرابع والخامس، فقد ناقشنا بعض تطبيقات نظرية الاحتمالات في اتخاذ القرارات من خلال نظرية بايز والتوزيع الطبيعي، وبينا كيفية إجراء التحليل الأولي واللاحق للحصول على القرار  النهائي. 

وفي الفصل السادس عرضنا أسلوب عملية اتخاذ القرار المتعدد المراحل من خلال شجرة القرار وتحليل نقطة التعادل. 

وتركز الاهتمام في الفصل السابع والثامن على نظرية الألعاب وتطبيقاتها التي تعبر عن اتخاذ القرار في المواقف التنافسية، فدرسنا أولاً نماذج الألعاب ذات شخصين ومجموع صفري وأساليب إيجاد الحل الأمثل، ثم درسنا العلاقة بين الألعاب والبرمجة الخطية ثم تناولنا الألعاب ذات n شخص ومجموع صفري، وأخيراً الألعاب بدون المجموع الصفري. 

وخصص الفصل التاسع لشرح نظرية صفوف الانتظار وتطبيقاتها ودراسة وتحليل بعض النماذج الرياضية لهذه النظرية وكيفية الوصول إلى القرار الأمثل بالاستناد إلى هذه النماذج. 

أما في الفصل العاشر فقدمنا تطبيقات لسلاسل ماركوف في عمليات اتخاذ القرارات. 

تضمن جميع الفصول مجموعة كبيرة من الأمثلة والمسائل المحلولة وغير المحلولة بهدف توضيح الأساليب والطرق المدروسة، وتمكين القارئ من المادة العلمية المقدمة. ولقد تجاهلنا في عرض محتويات هذا الكتاب البراهين الرياضية وركزنا على التطبيق لزيادة ثقة القارئ في جدوى العلم التطبيقي، وألحقنا في نهايته حزماً برمجية مكتوبة بلغة البيسك السريع لبعض مفردات هذا المقرر مع أمثلة تطبيقية لنؤكد للقارئ أهمية المعلوماتية وجدوى الحاسوب في عملية اتخاذ القرارات. 

وختاماً نرجو أن يكون في المواضيع التي يحتويها هذا الكتاب وطريقة عرضها ما يثير في الطالب والقارئ (من مدراء ومهندسين واقتصاديين) الرغبة في دراسة أكثر تعمقاً للموضوعات المتقدمة في نظرية القرارات التي لم يتسع المجال هنا للخوص في تفاصيلها. كما نرجز من الزملاء الأعزاء ألا يبخلوا علينا بأية ملاحظات يرونها ضرورية من أجل تطوير مادة هذا الكتاب لتكون في أحسن صورة وأتمها. 

وإننا في إعدادنا لهذا الكتاب إنما نحاول أن نساهم بجهد متواضع في طرح بعض الأفكار في مفهوم القرار وأساليب اتخاذه، على أمل أن تتبعها جهود متوالية في سبيل مواكبة التقدم العلمي والسير نحو الأمام، في بناء مكتبة عربية تذخر بالمؤلفات العلمية في هذا المضمار. 

نسأل الله أن يجعله علماً نافعاً لأبناء أمتنا العربية وأن يمن علينا بتوفيقه ورضاه. 

المؤلفــان

د. إنعام باقية     د. إبراهيم نائب