السمعة التنظيمية في القطاع العام - مساهمة نظرية وتجارب عالمية

المقدمة

أصبح عالمنا قرية صغيرة بفعل التطور المذهل في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وبفعل تنامي العديد من الظواهر الاقتصادية والاجتماعية، وتأتي على رأسها ظاهرة العولمة التي زادت من حدة التنافس، ليس فقط بين اقتصاديات الدول بل في المنظومة الحكومية برمتها، فأبتُكرت مؤشرات دولية متعددة نحكم من خلالها على مدى سمعة أية مؤسسة، سواء كانت في القطاع العام أو الخاص، ولذلك أصبحت السمعة هدفا مهماً تسعى إلى تحقيقه كافة المؤسسات على اختلاف أنواعها وأشكالها ومستوياتها، وذلك عن طريق القيام بالدور الاستراتيجي الذي يفضي إلى بناء السمعة التنظيمية، وتدعيم أركانها لدى جميع الأطراف ذات العلاقة (سادلر،2008) على اعتبار أن السمعة التنظيمية نوع من الإدراك (Perception) والتغذية الراجعة (Feedback)، التي يقدمها أصحاب المصالح والمجتمع بشكل عام (Sharabi,2015).

عند استخدام مصطلح "السمعة التنظيمية" في مؤسسات القطاع العام، نقول للوهلة الأولى أنها ارتبطت بمفاهيم سلبية مثل عدم الكفاءة، والبيروقراطية السلبية والرتابة والجمود، والمركزية الشديدة، والتعقيد الزائد، والرسمية غير المبررة. وعلى الرغم من هذه النظرة القاصرة إلا أنه آن الأوان للجهات الحكومية أن تتحرر منها، وأن تهتم أكثر بمنظومة السمعة التنظيمية، مع الأخذ بعين الإعتبار أمرين الأول: ظهور مفاهيم جديدة مثل الإدارة العامة الحديثة (New Public Management )، وإدارة الجودة الشاملة (Total Quality Management ) ومنظومة التميز المؤسسي، واستشراف المستقبل، وإدارة الابتكار المؤسسي، والكفاءة والفاعلية والإنتاجية، وادارة السمعة والصورة الذهنية، والذكاء الاخلاقي، التي لا شك أن لها دوراً في بناء السمعة التنظيمية الحسنة، أما الأمر الثاني: فإن مراجعة  أدبيات الدراسة يُظهر أن هناك اهتماماً متزايداً في الآونة الأخيرة بمفهوم السمعة التنظيمية في القطاع العام نتيجة المهددات الكثيرة لسمعة المؤسسات الحكومية والدول على نطاق أوسع، لاسيما في دول العالم الثالث ومنها الدول العربية، التي عصفت بها العديد من موجات التغيير السياسي والاجتماعي وعلى رأسها الربيع العربي.

يرى العديد من الكتّاب أن للسمعة التنظيمية عدد من الفوائد والمتمثلة في تحسين رضى المتعاملين وزيادة وعيهم وفهمهم لما تقوم به المؤسسة وما تقدمه من خدمات، وإدراكهم لصورتها الحسنة، وتكوين علاقات إيجابية بشكل أوسع، وكشف مواطن القوة والعمل على تعزيزها ومواطن الضعف ومعالجتها، والاحتفاظ بالموظفين الموهوبين، ورفع روحهم المعنوية وتحسين الإنتاجية، وحماية المؤسسة من المخاطر المحتملة والتعرف على الأزمات المستقبلية (عمير وصلاح الدين،2017).

تُعد القدرة على بناء السمعة التنظيمية إحدى الركائز التي تعتمد عليها المؤسسات الحكومية اليوم في تحقيق التميز المؤسسي في ظل ظروف المنافسة سريعة التغير التي يشهدها العالم، إذ أن السمعة التنظيمية هي حصيلة أساسية لتفاعل أي مؤسسة حكومية مع محيطها الاجتماعي لاسيما الأفراد سواء كانوا مواطنين، أم متعاملين أم أصحاب مصالح. بالإضافة إلى ذلك، تُعتبر السمعة التنظيمية إحدى الموجودات غير الملموسة (Intangible Assets) التي تحرص المؤسسات على بنائها والحفاظ عليها لأهميتها في بقاء المؤسسة واستمرارها في ظروف الأزمات، إذ تمكّن السمعة الجيدة من استقطاب أفضل الكفاءات الوظيفية وجذب المستثمرين ومن ثم الوصول إلى الاستدامة التي تجعلها قادرة على تحقيق المنافع  لمختلف أصحاب المصلحة  والمتعاملين معها. وتُعد السمعة التنظيمية الجيدة بمثابة البناء الاجتماعي الذي تحصل عليه المؤسسة من علاقتها مع أصحاب المصالح، والتي تؤدي إلى توطيد العلاقات مع جميع الأطراف المؤثرة في المجتمع التي تعتمد بشكل أساسي على عدد من العوامل منها: جودة الخدمة، والابتكار، والثقة، والقيادة، والمسؤولية المجتمعية وغيرها من العوامل التي تؤدي بدورها إلى تلبية احتياجات المتعاملين وتوقعاتهم، ولهذا يقال بأن جودة اليوم هي سمعة الغد ونجاح الأعمال في اليوم التالي (قرفي وصحراوي، 2016). ويمكن للموظفين المساهمة في تعزيز السمعة التنظيمية بشكل  كبير وبدون تكلفة، كما تعزز السمعة التزام الموظفين بالقيم الجوهرية للمؤسسة ورؤيتها ورسالتها وأهدافها.

علاوة على ما تقدم، يكون بناء السمعة التنظيمية الجيدة من خلال تبني المؤسسة الحكومية لرؤية استراتيجية واضحة تُترجم إلى خططٍ ذات أهداف محددة يمكن قياسها بصورة واقعية، ويتم ذلك عبر العمل الجاد والمستمر، والسعي نحو الارتقاء بمستوى الخدمات المقدمة، وتطبيق مبدأ العدالة والشفافية، وتحفيز الموظفين وإشراكهم بعملية صنع القرار وحل المشكلات داخل أي مؤسسة (العُمري،2018).

ونتيجة النقص الكبير في الدراسات ذات العلاقة بالسمعة التنظيمية في القطاع العام، وفي الأدب الإداري العربي على وجه الخصوص. فقد جاء هذا الكتاب للتعرف على ماهية السمعة التنظيمية في القطاع العام وبناء نموذج مفاهيمي لها يُعتمدُ عليه في الدراسات المستقبلية.