السياسات التربوية

مقدمة

تستمد السياسات التربوية شرعيتها من النظام العام في المجتمع، وتسعى لتغيير الأوضاع الراهنة من خلال الاختيار الأمثل من بين البدائل المطروحة في ضوء الواقع الحالي ورؤية المستقبل، فلا يمكن لدولة من الدول تهدف لبناء حضارتها وتربية الأجيال من أبنائها على نحو متميّز ومتمكن، أن تكون بغير سياسة تربوية واضحة ومستقرة وقائمة على أسس علمية وحضارية أصيله، ومعبرة عن الاحتياجات الواقعية والتطلعات المستقبلية للمجتمع، وكذلك لا يمكن لأجهزة الإدارة وتنظيماتها وسلوكياتها، أن تكون ملبية لهذه الحاجات والتطلعات، إلا بوجود سياسة تربوية تتضمن مبادئ مرشدة وتعمل كموجه ومحدد لاتخاذ القرارات اللازمة، وبما يضمن تحقيق الأهداف الموضوعة بكفاءة وفاعلية.

إن ما حققته العولمة من انتشار للأنظمة التعليمية العالمية بأسسها ومبادئها وآليات عملها، كان له أكبر الأثر على السياسات التربوية الخاصة بكل دولة ومدى تأثرها بهذه الأنظمة، كما وأوجدت العولمة بيئة خصبة لصناعة وتطوير السياسات التربوية التي تستقي من خلالها الدول التجارب الناجحة والممارسات الفاعلة من بعضها البعض.

 في ظل التطورات والتغييرات ووجود العديد من المشكلات الحاصلة في عالم متغير، والذي أصبح فيه سمة عدم الثبات هي السمة الثابتة إذ أصبح النجاح يتطلب التطور الشامل، الذي بدوره جعل القادة بمختلف الأنظمة السياسية يدركون أهمية وضرورة معالجة وحل تلك المشكلات التي تمس المواطنين ضمن خطط وبرامج متكاملة، تُعرف بالسياسات العامة.

 إذ أصبحت "السياسات العامة" تحتل حيزاً كبيراً في حياتنا اليومية، لما لها من دور كبير ومؤثر في رسم كافة السياسات في كافة مجالات الحياة، فتعليمنا وتربيتنا يخضعان لسياسة التربية والتعليم، وغذائنا يخضع لعدة سياسات عامة: كالزراعة، والسياسة الصحية والبيئية.

 لذا حظيت السياسات العامة بعامة، والسياسات التربوية بخاصة باهتمام كبيرٍ لما لها دور كبير في تحقيق أهداف المجتمعات ودورها الخلاق قي البناء والنهوض بالنظم التربوية وتطويرها وتجويدها وذلك لإيجاد حلول للمشكلات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للمجتمع من خلال نظام التعليم. كما وتختلف السياسات التربوية من مجتمع لآخر، كما تختلف عملية صنع السياسات التربوية، باختلاف طبيعة النظام السياسي (برلماني، رئاسي). وباختلاف المنظومة والإمكانات المادية والبشرية للدولة.

 تعد السياسات التربوية من أهم ركائز السياسة العامة في جميع الدول، فهي تعد من أهم متطلبات التخطيط والنمو كونها تساهم في وضع الخطط الزمنية لتحقيق الأهداف، وفي تحديد الأطر والمبادئ والقيم التي تسير على ضوئها العملية التربوية وفي تحديد المسؤوليات الإدارية  عند تنفيذ تلك السياسات.

ولا شك أن ادراك صانعي السياسات العامة لأهمية وعالمية صياغة وتطوير السياسات التربوية في تشكيل ثقافة المجتمع وتفعيل دوره محليا وعالميا، ورسم الاطار العام لمخرجاته، جعل من السياسات التربوية احدى أولويات الدولة ومحورا من محاور العمل الجاد فيها.

ولقد شهد مجال السياسات التعليمية سواء في الإطار القومي أو الدولي العديد من المبادئ العامة التي ولدت فروعاً عديدة أيضاً من السياسات الفرعية والمحددة التي تقوم بدورها توجيه النظم التعليمية في دول متنوعة، وتتنوع هذه السياسات بين سياسات التوزيع أو إعادة التوزيع إلى السياسات المادية إلى السياسات الرمزية إلى السياسات الإحلالية إلى السياسات الإجرائية والتدريجية وغيرها، ومن هذه السياسات: الإلزام، الاستيعاب، القبول، التعليم للجميع، توزيع سلطات إدارة التعليم، تحديد المعايير التعليمية، تحديد أهداف المنهج، والتعليم المتميز أو جودة التعليم.

لم يحظ موضوع السياسات التربوية باهتمام الباحثين في الوطن العربي، إلا أنهم بدأوا في تدارك ذلك حينما ازداد حجم المشكلات وعمق التحديات، وزيادة الضغوط لمواجهة هذه التحديات. وانطلاقا من هذه أهمية سياسات مؤسسات التعليم التربوي لارتباطها مع خطط التنمية وحاجات المجتمع، قام التربويون برسم السياسات العامة الرامية إلى تطوير تلك السياسات في مؤسساتها بحيث ترتكز على عناصر رئيسة تتمثل في ربط خططها بمخطط التنمية وحاجات المجتمع، وفي التعاون مع القطاع الخاص، وفي تكامل مجهودات مؤسسات التعليم التربوي، وفي تنمية الموارد المالية اللازمة والموارد البشرية العاملة في هذا القطاع، وفي تشجيع  البحوث العلمية ودعمها، وفي إنشاء قاعدة بيانات للبحث والتطوير.

فالعلاقة وثيقة بين السياسات التربوية والسياسات العامة للدولة، إذ تستمد السياسات التربوية توجهاتها وسماتها من الفلسفة العامة للمجتمع، ويمكن تصنيف مصادر السياسات التربوية إلى: العقيدة الدينية للمجتمع، الخبرات التاريخية، مراعاة البعد الدولي والإقليمي، وأنظمة ولوائح الهيئات الدولية والإقليمية. أي أن السياسات العامة للدولة تعمل على تحقيق أهدافها وأغراضها من خلال صنع سياسات تربوية تخدم هذه المصالح والأهداف. لذلك لا بدّ من التحام قوي بين السياسة التربوية وبين الإطار القومي – السياسة العامة للدولة.