بدائل العقوبات السالبة للحرية واليات تنفيذها

المــقدمــة

الحمد لله الذي جعل لنا العلم نوراً نهتدي به، والصلاة والسلام على نبي الأمم، سيدنا محمد الأجل الأكرم، وعلى أله وأصحابه ومن تبعهم إلى اليوم الأعظم.

تُعد العقوبة جزاءً يقرره القانون ويُوقعه القاضي ويطبقهُ على جريمة ارتكبت وإنَ الغرض والهدف منها هو ردع الجاني والقصاص منه، والعقوبة الجنائية بصفة عامه تعتبر موقفاً اجتماعياً لمواجهة الجاني بسبب اقترافه الجريمة، فبهذا المعنى توصف العقوبة بأنها وسيله لمحاسبة الجاني وصولاً لغاية بعيدة هي الردع والإصلاح والعلاج وإعادة تكييف الجاني مع المجتمع وجبر الضرر الناشئ عن الجريمة.

والعقوبة البديلة تعني مجموعة من الجزاءات تحل محل العقوبات التقليدية؛ والعقوبات التقليدية تعني الاعدام والحبس والغرامة المالية والجلد، وللعقوبات البديلة مبررات وأهمية تتمثل في عجز العــقوبات التقليدية عن تحقيق الــهدف منها وهو الردع والإصلاح والتأهيل إضافة إلى تقدم السياسة الجنائية الحديثة التي تنــتقد هــذا النــوع من العــقوبات لأنه يتعــارض مع إصــلاح المجتمع، وكذلك فإنَ بعض العقوبات التقليدية أصبحت تكلف ميزانية الدولة أموالاً طائلة فكان لابد من اللجوء إلى بدائل تكون أقل تكلفة على الدولة. وتعد بدائل العقوبات من التدابير التي وجدت من أجل اصلاح المحكوم عليه وتقويم سلوكه ومنع انحرافه في المستقبل، وذلك لوجود سلبيات كثيرة في العقوبات التقليدية كالحبس، وان الهدف من تطبيق بدائل العقوبات غير السالبة للحرية هو للابتعاد عن سلبيات عقوبة الحبس وهي الاكثر شيوعاً، ومن اهدافها ايضاً الاساسية هو تأهيل المحكوم عليه لمنعه من العود للجريمة، وذلك لحماية المجتمع وضمان التزام المحكوم عليه بالقانون. وتهدف من حيث أهميتها إلى رعاية وتأهيل المحكوم عليهم ومراعاة مصالحهم وحمايتها، وتظهر أيضاً أهمية هذه البدائل المنصوص عليها في بعض التشريعات الجزائية من خلال عدم استعمال القوة ضد المحكوم عليه  أو عزله إلا في حالات معينه حددها القانون، وكذلك يجب أن لا تؤثر هذه التدابير على حياة المحكوم عليه، وعلى أيةِ جهةٍ يودع لديها ان تقدم له الرعاية الكاملة.

وكذلك لهذه البدائل آليات تنفيذ وشروط  تطبيق لابد أن تتوفر فيها لتكون أكثر ملاءمة للواقع، وهي أنَ تكون أكثر عدلاً وأن لا تتعارض مع نص دستوري أو قانوني، وكذلك لابد لها أن تقع على فعل مجرم قانوناً ويجب أنَ لا تحدث أثاراً سلبية على الجاني ويجب أن تكون واضحة وممكنة التنفيذ وهذا يمكن للدولة أعادة الحق لكل صاحب حق، إضافة الى إيقاع القصاص على الجاني ثم تؤدي إلى نتائج إيجابية وأثاراً إصلاحية على سلوك المحكومين.

ان للأخذ بالعقوبات البديلة واستبعاد العقوبات القصيرة المدة والسالبة لحرية المحكوم عليه عدة مبررات منها، عجز عقوبة الحبس قصيرة المدة عن تحقيق هدف العقاب في الردع العام والاصلاح والتأهيل، وان السياسة الجنائية الحديثة بدأت تنبذ العقوبات التقليدية خاصةً الحبس قصير المدة، لأنها تتعارض مع تطبيق البرنامج الاصلاحي، من خلال اصلاح واعادة دمج المحكوم عليه بالمجتمع مجددا، وان ضرر العقوبة قصيرة المدة اكثر من فوائدها وذلك لأنها تؤدي الى اختلاط المحكوم عليه بالمجرمين المحترفين والمخضرمين داخل المؤسسة العقابية مما يؤدي الى انتقال عدوى الاجرام الى هؤلاء خاصة الصغار والنساء منهم مما يؤدي الى تعلمهم فنونا جديدة من الاجرام.

الباحث

اهـمية الــدراسة:

تبرز أهمية دراسة هذا الموضوع من خلال الوقوف على التفاصيل الدقيقة لهذه البدائل وذلك من خلال بيان مشروعية هذه البدائل وبيان مدى إمكانيتها في إصلاح المحكوم عليهم، يضاف إلى ذلك ازدياد فرصة تطبيق البرامج الإصلاحية في  السجون وجلب الفائدة على المجتمع من خلال الخدمات الاجتماعية التي يقوم بها الأشخاص المطبقة عليهم هذه البدائل وإمكانية تطبيق هذه البدائل في ظل التشريعات الجنائية موضوع الدراسة .

أهـــداف الـدراسة:

تسعى هذه الدراسة إلى تحقيق الأهداف التالية:

1- بيان مفهوم بدائل العقوبات السالبة للحرية وتحديد شروط هذه البدائل.

2- توضيح آلية تنفيذ هذه البدائل وحالات تطبيقها.

3- توضيح آلية رقابة قاضي تنفيذ الحكم على هذه البدائل بما يسهم في تحقيق تأهيل المحكوم عليه .

4- تهدف هذه الدراسة كذلك إلى بيان كيفية  مساهمة هذه البدائل  في تغيير البيئة الاجتماعية والمادية التي تحيط بالمحكوم عليه وتدفعه إلى ارتكاب الجريمة مما يؤدي إلى أعادته إلى المجتمع كعنصر فعال ولا يؤثر سلباً على ذات المجتمع.

الدراسات السابقة:

1- فواز منور حمادة الزيدان، بدائل العقوبات السالبة للحرية في التشريعين السوداني والاردني، دراسة مقارنه، أطروحة دكتوراه، جامعة النيلين: كلية القانون، 2014.

تناول الباحث في هذه الدراسة بدائل العقوبات السالبة للحرية في التشريعين السوداني والأردني وتطرق لمفهوم العقوبة بصورة عامة وكذلك تناولت الدراسة مفهوم العقوبات السالبة للحرية ثم بعدها تناولت الدراسة بدائل العقوبات في التشريعين موضوع البحث.

اما هذه الدراسة فقد تختلف عنها حيث أن دراستي تبحث في بدائل العقوبات السالبة للحرية في التشريع السوداني والعراقي والأردني ذات الطابع التأهيلي والوقائي إضافة إلى آليات تنفيذها والرقابة القضائية على تنفيذها في التشريعات موضوع البحث من خلال تناولها بشكل مباشر وتناول عجز وقصور العقوبات السالبة للحرية عن تأهيل المحكوم عليه، وضرورة تطوير السياسة الجنائية في التشريعات موضوع البحث وانتهاج عقوبات جديدة مصاحبه للحرية تكون اكثر إيجابية في تأهيل وإصلاح المحكوم عليه وإعادة دمجه في المجتمع.

2- عبدالله بن علي الخثعمي، بدائل العقوبات السالبة للحرية بين الواقع والمأمول، دراسة ميدانية مطبقة على عينه من الخبراء وأهل الاختصاص في القضاء السعودي والعدالة الاجتماعية، الرياض: جامعة نايف للعلوم الأمنية، 2008.

تناول الباحث في هذه الدراسة بدائل العقوبة السالبة للحرية بين الواقع والمأمول من خلال دراسة ميدانية مطبقة على عينه من الخبراء وأهل الاختصاص في القضاء السعودي والعدالة الاجتماعية وكيفية اقناع واضعي السياسة الجنائية في المملكة العربية السعودية بأهمية العقوبة البديلة في إصلاح وتهذيب المحكوم عليه. كما تناول عقوبة السجن والتطور التاريخي لها إضافة إلى أثار عقوبة السجن وتناول بدائل العقوبات السالبة للحرية وانواعها وتناول تجارب بعض الدول في تطبيق العقوبات البديلة وتناول واقع تطبيق هذه العقوبة في المملكة العربية السعودية .

أما هذه الدراسة فقد تختلف عنها من حيث أن دراستي تبحث في بدائل العقوبات في التشريع السوداني والعراقي والاردني، إضافة إلى أنماط هذه البدائل التأهيلية والوقائية في بعض التشريعات الجزائية المقارنة، وفي كيفية دعوة القائمين على السياسة الجنائية في هذه التشريعات لتطويرها تماشياً مع التطور الجنائي الحديث لتسهيل عملية تأهيل وإصلاح المحكوم عليه بما يحقق مصلحته الفضلى يضمن تحقيق المن والسلم  المجتمعي.

مشكلة الـدراسة:

إن عجز العقوبات التقليدية التي تقوم على سلب الحرية عن تحقيق الهدف الاسمى للعقوبة إلا وهو حماية المجتمع وتحقيق الوقاية من الجريمة وإصلاح الجناة، وذلك من خلال غياب النصوص التشريعية الصريحة والقصور التشريعي في تطبيق  هذه البدائل، لذلك كان لابد من اللجوء الى بدائل العقوبات وخصوصاً فيما يخص توفير الرعاية والتأهيل لهم، وعليه تكمن اشكالية دراستنا في بيان بدائل العقوبات في التشريعات الجنائية موضوع البحث بما يأتي :

1- ما هو مفهوم بدائل العقوبات السالبة للحرية في التشريعات الجنائية وتأصيلها القانوني؟

2- ماهي أنماط بدائل العقوبات التأهيلية والوقائية وشروطها في التشريعات الجنائية؟

3- ماهي خصائص بدائل العقوبات الواردة في التشريعات الجنائية المقارنة؟

4- ماهي ضوابط  وآلية تنفيذ بدائل العقوبات؟

5- ماهي أهم المواصفات والشروط التي يجب أن تتوافر في قاضي تنفيذ بدائل العقوبات؟

6- ما هو الدور الذي يقوم به قاضي تنفيذ الحكم في آلية التنفيذ على المحكوم عليه ودورة في إصلاحه وتأهيله ؟

منهـجية الـدراسة:

يقوم الباحث من خلال هذه الدراسة بتناول موضوعاتها من خلال المنهج التاريخي للوقوف على تطور العقوبة البديلة، وكذلك المنهج الوصفي، التحليلي، والمقارن. حيث سيقوم الباحث بتجميع المعلومات والحقائق عن بدائل العقوبات ومن ثم وصفها وتحليلها بصورة شاملة؛ وجمع الحقائق والمعلومات وتفسيرها للتوصل إلى التعميمات المقبولة.

خطة الدراسة:

يقوم الباحث بتقسيم الدراسة إلى خمسة فصول للإحاطة بكافة جُزيئاتها وعناصرها، وحسب الضرورات التي قد تمليها الدراسة مستقبلاً، وذلك على النحو الآتي:

فلقد تناولنا في الفصـل الأول ماهية بدائل العقوبات السالبة للحرية ومشروعيتها وذلك في ثلاثة مباحث منفصلة عن بعضها تناولنا في المبحث الاول مفهوم بدائل العقوبات السالبة للحرية وتطورها التاريخي وتناولنا في المبحث الثاني مشروعية هذه البدائل وفي المبحث الثالث خصائص العقوبات البديلة وأهدافها ومبررات اللجوء اليها واعتبارات نجاحها. كما تناولنا في الفصل الثاني بدائل العقوبات السالبة للحرية ذات الطابع التأهيلي ومنها الالزام بالعمل للمنفعة العامة في المبحث الاول والوضع تحت الاشراف القضائي وتحت مراقبة الشرطة في المبحث الثاني وتناولنا في المبحث الثالث الالحاق ببرامج التأهيل والتدريب المهني. وتناولنا في الفصل الثالث بدائل العقوبات السالبة للحرية ذات الطابع الوقائي حيث بحثنا هذا الفصل بثلاث مباحث تناولنا في المبحث الاول توجيه اللوم والتأنيب والتعهد بالمحافظة على النظام العام وتناولنا في المبحث الثاني وقف تنفيذ العقوبة والامتناع عن القيام بعمل معين, وتناولنا في المبحث الثالث الصلح والتنازل وصفح الفريق المتضرر ومنع الاقامة وحظر التردد على مكان معين. وفي الفصل الرابع من هذه الاطروحة تناولنا آليات تنفيذ بدائل العقوبات السالبة للحرية وذلك في مبحثين تناولنا في المبحث الاول ضوابط تنفيذ العقوبات البديلة وفي المبحث الثاني اثار ونطاق تطبيق بدائل العقوبات السالبة للحرية. كذلك تناولنا في الفصل الرابع الرقابة على تنفيذ العقوبات البديلة بمبحثين تناولنا في المبحث الاول الرقابة القضائية على تنفيذ العقوبات البديلة وفي المبحث الثاني الرقابة الادارية على تنفيذ العقوبات البديلة للعقوبات السالبة للحرية.