المنظور الاستراتيجي لمستقبل المحكمة الجنائية الدولية

مقدمة:

 الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله اما بعد لقد كان المجتمع الدولى يتطلع إلى ضرورة وجود قضاء دولى استراتيجي حديث دائم يتم اللجوء إليه من أجل تسوية المنازعات الدولية بصورة سليمة، ذلك كجزء من التنظيم الدولى المنشود الذى يهدف الية المجتمع الدولي، لذا اتجه المجتمع الدولي إلى فكرة إنشاء محاكم جنائيّة خاصة لمحاكمة مجرميّ الحرب في الحربين العالميّتين الأولى والثانيّة (محاكم ليبزيج ونورمبرغ وطوكيو)، وكذلك الحال في رواندا ويوغوسلافيا، إلا أن طموحات دول العالم كانت أبعد من ذلك؛ إذ سعت من خلال جهود رجال القانون الدولي إلى إنشاء محاكم دائمة للفصل في الانتهاكات الخاصة بالقانون الدوليّ الإنسانيّ.

 فجاءت المحكمة الجنائية الدولية والتي يحكمها نظام روما الأساسي، أول محكمة دائمة أسست بناءً على معاهدة تم إنشاؤها لمحاسبة مرتكبي أكثر الجرائم خطورة على المستوى العالمي مثل جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الإبادة الجماعية، ففي السابع عشر من تموز عام 1998، اختتمت أعمال المؤتمر الدبلوماسي المعني بإنشاء محكمة جنائية دولية بالموافقة على تبني نظام المحكمة الأساسي المحكمة الجنائية الدولية هي مؤسسة دائمة ومستقلة ولا تعتبر أحد أقسام منظمة الأمم المتحدة ، وهو الأمر الذي أدى إلى إنشاء المحكمة الجنائيّة الدوليّة أو محكمة الجنايات الدوليّة عام 2002، وذلك كأول محكمة قادرة على محاكمة الأفراد المتهمين بجرائم الإبادة الجماعيّة والجرائم ضد الإنسانيّة وجرائم الحرب وجرائم العدوان.

 يوضح النظام الأساسي للمحكمة بأن المهمة الرئيسية في ملاحقة ومعاقبة مرتكبي الجرائم تقع على عاتق الدول الأطراف، والمحكمة تكمل تلك الجهود، هذا وتعتبر المحكمة النقطة المحورية لتطبيق نظام العدالة الجنائية الدولية، بحيث تشمل المحاكم الوطنية، والمحاكم الدولية والمحاكم التي تضم عناصر وطنية ودولية، فقد كان لتزايد حدة الصراعات الدولية والحروب في بقاع كثيرة من العالم، أثراً في زيادة ارتكاب جرائم الحرب ضد المدنيين وارتفاع معدلات انتهاكات حقوق الإنسان، في ظل غياب آلية استراتيجية مناسبة يتبناها المجتمع الدولي للحد من هذه الانتهاكات ومعاقبة من يقومون بها أو من يقفون خلفهم ومحاكمتهم، سواء كانوا أفراد أو دول أو منظمات أو حكومات.

مشكلة البحث:

1. وضع استراتيجيات للمحاكمة الجنائية العادلة للحد من هذه الجرائم الخطيرة وهي جرائم الإبادة والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب وجرائم العدوان استمرت في الوقوع على ملايين البشر، ولم يقدم للمحاكمة الوطنية سوى عدد قليل من مرتكبي تلك الجرائم .

2. تحديد الجرائم التي تهدد السلم والأمن والرفاء في العالم, وإذ تؤكد المنظومات الاستراتيجية الحديثة أن أخطر الجرائم التي تثير قلق المجتمع الدولي بأسره يجب ألا تمر دون عقاب وأنه يجب ضمان مقاضاة مرتكبيها على نحو فعال من خلال تدابير تتخذ على الصعيد الوطني وكذلك من خلال تعزيز التعاون الدولي.

3. وضع خطط واستراتيجيات حديثة للحد من افلات مرتكبي هذه الجرائم من العقاب وعلى الإسهام بالتالي في منع هذه الجرائم, إذ تذكر بأن من واجب كل دولة أن تمارس ولايتها القضائية الجنائية على أولئك المسئولين عن ارتكاب جرائم دولية.

4. معرفة مقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، وبخاصة أن جميع الدول يجب أن تمتنع عن التهديد باستعمال القوة أو استعمالها ضد السلامة الإقليمية أو الاستقلال السياسي لأية دولة، أو على أي نحو لا يتفق ومقاصد الأمم المتحدة. .

اهداف البحث:

1. تهدف الدراسة إلى إلقاء الضوء على التحديات الاستراتيجية المستقبلية في نظام المحكمة الجنائيّة الدوليّة بشكلٍ عام من خلال التطرق إلى نشأتها التاريخية، والتعريف بها، وتشكيلها، وهيكلها، ونطاق اختصاصاتها، ضمن النطاق الاستراتيجي بهدف التعرف على نظام المحكمة الجنائية الدوليّة.

2. التعرف على دور المحكمة الجنائيّة الدوليّة في مُلاحقة مُرتكبي الإنتهاكات الإنسانيّة في العديد من الدول ومن اهداف الدراسة لابد من التطرق إلى ما يلي: 

3.  معرفة النشأة التاريخيّة للمحكمة الجنائيّة الدوليّة؛ وماهية طبيعة المحكمة الجنائيّة الدوليّة والاستراتيجية التي تنتهجها؛ وأوجه التمييز بين المحكمة الجنائيّة الدوليّة وغيرها من المحاكم المشابهة وماهية ضوابط ونطاق اختصاص المحكمة الجنائيّة الدوليّة في القضاء الجنائيّ الدوليّ والوطنيّ.

4. بيان شروط مقبوليّة الدعاوى المنظورة أمام المحكمة الجنائيّة الدوليّة؛ ودراسة لدور المحكمة الجنائيّة الدوليّة في مُلاحقة مُرتكبي الجرائم الإنسانيّة، ودراسة أمري القبض الصادرين من الدائرة التمهيدية الأولى في المحكمة الجنائيّة الدوليّة واستعراض الحلول القانونيّة التي يمكن لاي دولة اللجوء إليها لتجنب أزمة المحكمة, ودراسة كل من قانونية التجريم والعقاب والاحالة والرجاء.

أهمية البحث:

 ينبغي معرفة الاستراتيجية الإدارية والقانونية التي تقوم عليها هذه المحكمة الجنائية الدولية ولابد من وجود إطار متكامل على إتمام دور الأجهزة القضائية الوطنية، فهي لا تستطيع أنّ تقوم بدورها القضائي ما لم تُبد المحاكم الوطنية رغبتها أو كانت غير قادرة على التحقيق أو الإدعاء ضد تلك القضايا، فهي بذلك تمثل المآل الأخير.

 وترجع أهمية بحث موضوع المحكمة الجنائيّة الدوليّة من خلال سعيها إلى تحقيق الردع للأشخاص الذين يعتزمون انتهاك القانون الدولي الإنساني، من خلال وضع حد للإفلات من العقوبة عن هذه الانتهاكات، فالمحكمة الجنائيّة الدوليّة هي أول هيئة قضائية جنائيّة دائمة مستقلة، أوجدها المجتمع الدولي لمقاضاة مجرميّ الحرب ومرتكبيّ الفظائع بحق الإنسانيّة وجرائم إبادة الجنس البشريّ، وهي تحظى بولاية عالميّة، وبزمن غير محدد، وتعد المحكمة الجنائيّة الدوليّة هيئة مُستقلة عن الأمم المتحدة، من حيث الموظفين والتمويل، وقد تم وضع اتفاق بين المنظمتين يحكم طريقة تعاطيهما مع بعضهما من الناحيّة القانونيّة.

منهج الدراسة:

 في هذه الدراسة نستخدم المنهج الوصفيّ التحليليّ الذي يعرف بأنه: دراسة الظاهرة كما توجد في الواقع ووصفها وصفاً وثيقاً ويعبر عنها تعبيراً كيفياً أو كمياً بغية الوصول إلى استنتاجات تسهم في فهم هذا الواقع وتطويره؛ فهذه الدراسة تسعى إلى إلقاء الضوء على نظام المحكمة الجنائيّة الدوليّة الوارد في نظام روما الأساسي، وبحث المنظور الاستراتيجي لمستقبل المحكمة الجنائية الدولية واهم التحديات التي تواجهها.

مجال وﺤﺩﻭﺩ ﺍﻟﺩﺭﺍﺴﺔ:

ﺘﻨﺤﺼﺭ ﻫﺫﻩ ﺍﻟﺩﺭﺍﺴﺔ بالمنظور الاستراتيجي لمستقبل ﺍﻟﻤﺤﻜﻤﺔ ﺍﻟﺠﻨﺎﺌﻴﺔ ﺍﻟﺩﻭﻟﻴﺔ ﺒﻤﻘﺘﻀﻰ ﺍﻟﻨﻅﺎﻡ ﺍﻷﺴﺎﺴﻲ ﻟﻠﻤﺤﻜﻤﺔ ﺍﻟﺠﻨﺎﺌﻴﺔ ﺍﻟﺩﻭﻟﻴﺔ واهم التحديات التي تواجه نظامها الاساسي وكيفية دخول قراراتها في ﺤﻴﺯ ﺍﻟﻨﻔـﺎﺫ ﻭﻗﻭﺍﻋـﺩ الاجراءات الخاصة بها، ﻭﻤﺎ ﻴﺘﺼل ﺒﻤﻤﺎﺭﺴﺔ ﺘﻠﻙ ﺍﻟـﺴﻠﻁﺎﺕ ﻤـﻥ ﻗﻴـﻭﺩ ﺃﻭ ﺃﺩﻭﺍﺕ ﻤﺘـﺼﻠﺔ، وعلاقة المحكمة بالأمم المتحدة، النظام الأساسي للمحكمة جانباً مهماً من أوجه العلاقة بين المحكمة والأمم المتحدة, والاتفـاق التفاوضي المعني بالعلاقة بين المحكمة الجنائية الدولية والأمم المتحدة وهيمنة الولايات المتحدة على قرارات المحكمة الجنائية الدولية، متضمناً بيان أوجه تلك العلاقة بشكل تفصيلي .

الدراسات السابقة:

1) الحميدي احمد قاسم محمد، المحكمة الجنائية الدولية، اطروحة دكتوراه، كلية الاقانون والاقتصادية والاجتماعية، الرباط، 2000

2) دحماني عبدالسلام، رسالة دكتوراه التحديات الراهنة للمحكمة الجنائية الدولية في ظل هيمنة مجلس الامن الدولي، جامعة مولدي معمري، الجزائر، 2012.

3) علا عزت عبدالمحسن، اختصاص المحكمة الجنائية الدولية، رسالة دكتوراة، جامعة القاهرة2007.

4) بدري مهنية، المحكمة الجنائية الدولية واشكال السيادة، رسالة ماجستير، جامعة محمد خضير، 2015.

5) حمروش سفيان، النظام الاساسي للمحكمة الجنائية الدولية، رسالة ماجستير، بن عكنون، الجزائر 2005

6) حرب علي جميل، المحكمة الجنائية الدولية في الميزان، رسالة ماجستير جامعة بيروت العربية، لبنان.

هيكل الدراسة :

 سوف يتم استعراض موضوع هذه الدراسة في بابين: الباب الاول بعنوان نشأة وتكوين المحكمة الجنائية والتحديات الاستراتيجية الراهنة لمستقبل المحكمة الجنائية الدولية ويتكون من فصلين الاول مرحلة المحاكم الجنائية الدولية المؤقتة ونشأت المحكمة الجنائيّة الدوليّة، ونستعرض في الفصل الثاني التحديات الاستراتيجية التي تواجة المحكمة الجنائية الدولية، وفي الباب الثاني المدى الاسترتيجي لإختصاص وسلطات المدعي العام للمحكمة وتأثر المحكمة بمجلس الامن الدولي ,وسيقوم الباحث في دراسة استراتيجية اختصاص وسلطات المدعي العام في المحكمة الجنائية في الفصل الأول،  وفي الفصل الثاني سيتم التطرق الى التأثير الاستراتيجي لمجلس الامن على المحكمة الجنائية الدولية وسيتم دراسة طلب الاحالة والارجاء في هذا الفصل ومن ثم خاتمة ونتائج وتوصيات