اضطراب ضغوط ما بعد الصدمة النفسية - النظريات - الاعراض - العلاج

المقــدمـة

نلاحظ في هذه الأيام زيادة كبيرة في عدد حالات الاضطرابات النفسية بسبب عدة عوامل، منها ما يرجع لعدم الاستقرار الأمني الذي تمر بها المجتمعات المختلفة، ومنها ما يرجع إلى مشكلات الحياة العامة في عالم أصبح ضيقاً وصغيراً بعد أن تطورت فيه وسائط النقل ووسائل الدعاية والإعلام، ومنها ما يرجع إلى عدم تحقيق الحاجات الأساسية للفرد، التي أكد العالم "Maslow" على أن تحقيقها يحقق التوافق النفسي السوي له، لأن الفرد إذا لم يحققها فإنه عادة ما يكون عرضة للاضطرابات النفسية، مع العلم أن الإنسان المؤمن حقاً، والمتوكل على الله توكلاً تاماً، والذي يعمل على طاعة الله وعبادته قولاً وفعلاً، لن تعرف الاضطرابات النفسية طريقاً له، فكلما تعود الإنسان على ذكر الله كلما كان أقرب للهدوء والطمأنينة، ومن أعرض عن ذكر الله فهو فريسة سهلة لها. 

ومن المعروف أن الاضطرابات النفسية تؤدى إلى فقدان الكثير من الطاقات البشرية في وقت السلم، أما في وقت الأزمات فإنها تؤدي إلى زيادة الخسائر وفقدان الأرواح، كما هو الحال في فلسطين، حيث يقوم جنود الاحتلال بأعمال عسكرية ضد المدنيين العزل منذ احتلالهم لفلسطين وحتى الآن، مع زيادة شدة ووحشية هذه الأعمال خلال انتفاضة الأقصى.

وهناك أدلة كثيرة على أن التعرض للأعمال العسكرية لفترة طويلة يؤدي إلى زيادة إمكانية الإصابة بالاضطرابات النفسية، وأن التعرض المطول للضغط يؤدي إلى فشل الفرد في احتواء هذا الضغط، ومن ثم يصبح هناك اختلال في التوازن النفسي للفرد، ويبدأ الفرد يعاني من استجابات نفسية مرتبطة باستنفاذ القدرات البيولوجية الاحتياطية في الجسم مثل الجبن وردات الفعل الناتجة عن الرعب والإجهاد والشكوى من الآم الجسد واختلال في الشهية والنوم، مما ينتج عنه اختلالات عاطفية مثل التوتر والغضب والعجز في القدرات العقلية والتشتت وصعوبات في التركيز، ففي حال تواجد أي إنسان في بيئة خطيرة فان ذلك يؤثر على التوازن النفسي لديه، وقد يصل لحالة من فقدان الشعور بالأمن، وقلق الموت، والشعور بالغضب والعجز، والضياع. 

وتختلف ردود الفعل من فرد لآخر على الضغوط الناتجة عن الأعمال العسكرية وذلك تبعاً للفروق الفردية التي يمتلكها الأفراد، والتي تكون إما موروثة وإما مكتسبة، فهناك من هم قادرون على أن يؤدوا أدوارهم ويتوافقوا مع ظروف الأعمال العسكرية، وهناك من يظهرون فشلاً في التوافق أثناء هذه الأعمال، فالتجربة المسببة للاضطرابات النفسية والناتجة عن الأعمال العسكرية هي عملية

 من المواجهة والتوافق، أي أنها تفاعل ديناميكي بين الفرد وقدرته على التوافق بالسلوكيات المختلفة استعداداً  للدفاع. 

ومن هنا جاء الاهتمام بإلقاء الضوء على ظاهرة عادةً ما يصاب بها أولئك الأفراد الذين يعيشون في ظل وجود أعمال عسكرية، أو حروب، وذلك على اختلاف فئاتهم من أطفال ونساء ورجال ومدنيين ومحاربين، ألا وهي ظاهرة اضطراب ما بعد الصدمة النفسية.

وينقسم هذا الكتاب لخمسة فصول:

الفصل الأول: يتطرق من خلاله المؤلفان إلى مفهوم اضطراب ضغوط ما بعد الصدمة، وأسبابها، والتطور التاريخي لهذا الاضطراب، وعلاقة اضطراب ضغوط ما بعد الصدمة بالقلق والاكتئاب، والفرق بينها وبين الضغوط، وبينها وبين الصدمة النفسية.

الفصل الثاني: خصصه المؤلفان لاستعراض النظريات والنماذج التي فسرت اضطراب ضغوط ما بعد الصدمة النفسية.

لفصل الثالث: وقد خصصه الباحثان للحديث عن اضطراب ضغوط ما بعد الصدمة النفسية لدى المدنيين الذين يعانون من الأعمال العسكرية، ولدى الأطفال، ولدى الجنود المشاركين في الحروب والأعمال العسكرية ضد المدنيين.

الفصل الرابع: يستعرض المؤلفان من خلاله بعض الدراسات العربية والأجنبية التي اهتمت بدراسة ظاهرة اضطراب ضغوط ما بعد الصدمة وألقت الضوء عليها. 

الفصل الخامس: يلقي المؤلفان من خلاله الضوء على أعراض اضطراب ضغوط ما بعد الصدمة، والمحكات التشخيصية لهذا الاضطراب وفقاً للدليل التشخيصي الثالث الصادر عن الجمعية الأمريكية للطب النفسي.

الفصل السادس: يلقي الضوء على أساليب علاج اضطراب ضغوط ما بعد الصدمة.

والله ولي التوفيق

المؤلفان