تتابع الاصوات في العربية

المقدمـــــة: 

   الحمد لله نحمده ونشكره, والصلاة والسلام على خاتم أنبيائه رسوله المصطفى,  وعلى آل بيته الطاهرين, وعلى اصحابه الغر الميامين  ومن تبعهم بإحسان الى يوم الدين.

وبعد ... 

    حظيت اللغة العربية بعناية الله سبحانه وتعالى بحفظ القرآن الكريم, الذي مثل اللغة العربية بأبلغ صورها, واهتم النحويون الأوائل بدراسة اللغة من كل جوانبها، بوصفها لغة القرآن الكريم, وهذه الدراسة بمستوياتها الأربعة (الصوت، والصرف، والنحو، والدلالة) تكشف عن فكر لغوي عميق، استطاع علماؤنا أن يؤسسوا له القواعد والأُصول, ويعد الدرس الصوتي أول مستويات دراسة اللغة, ومن العلوم التي درسها العلماء قديما, ثم ظهر في العصر الحديث نوع من التطور في دراسة هذا الجانب من اللغة؛ إذ أفرد الباحثون كتباً خاصة به. وقد كلفت في السنة التحضيرية من قبل الأُستاذ الدكتور محمد ضاري بكتابة بحث عن كتاب (المعرَّب) للجواليقي, ومن قراءة بعض ما ورد في هذا الكتاب، وجدت ظاهرة غريبة لم أتوقع أَن يكون أحد قد تحدث عنها بدراسة مستقلة, وهو أن بعض الألفاظ المعربة تحتوي على أصوت عربية ولكنها لا توصف بالعربية, وكان السبب يعود إلى عدم السماح لبعض الأصوات بالاجتماع والتتابع في العربية، فمثلاً: (لا يوجد كلمة صدرها نر), فكان سبب تآلف الأصوات وطريقتها في التتابع والترتيب سبباً في عدم عربيتها, لذلك حاولت أن أدرس الموضوع، وقدمت لأساتذتي الأفاضل في قسم اللغة العربية، عنوان دراسة (تتابع الأصوات في العربية) فوجدتُ القبول والمباركة من أغلب الأَساتذة، الذين شجعوا على هذا البحث, فبدأت بكتابة خطة البحث, واقتضت طبيعة الدراسة أن تنتظم في ثلاثة فصول, يسبقها تمهيد، ذكرت فيه تعريف التتابع لغة واصطلاحاً، وبعض الأَلفاظ المرادفة لهذا اللفظ, أما الفصول الثلاثة، فقد خصصتُ الفصل الأول منها للحديث عن (تتابع الأصوات في الدرس اللغوي)، فكانت مباحثه تبدأ في الحديث عن التتابع منذ نشأة الدرس اللغوي، ثم مبحث علاقة التتابع بنظرية الفونيم، وتحدثت فيه عن العلاقة بين الصوت والحرف والفونيم, ثم المبحث الثالث عن العلاقة بين الحركات والحروف, ثم المبحث الآخر تحدثت فيه عن التتابع عند بعض علماء التعمية والبلاغة, لما اختصوا به من اهتمام بطريقة تألف الكلمة وطريقة نطقها، أما الفصل الثاني فكان عنوانه (تتابع الأصوات في الجذور العربية)، تحدثتُ فيه عن طريقة اجتماع الأصوات، ثم ذكرت ما جاء في معجم العين من جذور؛ لأنه يعد من اهم المعجمات، إذ اشتمل على كل التقليبات الممكنة في اللغة، وذكر مستعملها، ومهملها, ووثقت ذلك من لسان العرب، واحصائيات جذوره؛ لأنه – أيضاً- يعد من المعجمات المهمة، التي شملت في أَصلها ثلاثة معجمات, على الرغم من أَني قد أشرت الى معجمات أخرى كلما اقتضت الحاجة مثل: الصحاح والمحكم، وتاج العروس، وغيرها مما ذكر في الأُطروحة، وكذلك حاولت توثيق بعض الألفاظ المعرّبة من كتب المعرّب, فكان الفصل حاوياً على عدة مباحث تتابع الصوامت من حيث المخرج ثم من حيث الصفات، ثم تتابع الأصوات ونظائرها، ثم تتابع الصوائت, وبعده تتابع الصوامت والصوائت.

    أما الفصل الثالث، فقد تحدثت فيه عن بعض التعاملات الصوتية التي أَدت إلى تتابع الأصوات المرغوب عنه، وحاولت العربية التخلص منه بعدة طرائق لذلك ظهرت بعض المظاهر التعاملية، والمبحث الأول في هذا الفصل ذكرتُ دراسة مختصرة عن المستويات اللغوية، ثم بعض الظواهر اللغوية، مثل المماثلة، والمخالفة، والادغام، وأَخيراً تحدثت عن اتصال الفعل بالضمائر, وكيف حدثت بعض التغيرات في نطق بعض الأصوات، ثم خصصت الحديث عن ياء المتكلم وياء المخاطبة, لما وجدت فيهما مثالاً للتعبير عن تتابع بعض الأصوات، وكيفية التخلص من التتابعات المرغوب عنها.

ثم كانت الخاتمة التي تجلت فيها أبرز نتائج البحث.

   ويسرني أن اتقدم بالشكر الجزيل والعرفان إلى أساتذة قسم اللغة العربية، لما أبدوه من مساعدة وتوجيه، ومنهم الأستاذ الدكتور حميد الفتلي، والدكتور علي خليف، والدكتور عقيل رحيم، والدكتور يوسف إسكندر، والدكتور تحسين الوزان، والمشرف الدكتور مصطفى كاظم، الذي لم يبخل بالنصح، والإرشاد، والتوجيه ليكون البحث على هذه الصورة، وأشكر أساتذتي وزملائي في السنة التحضيرية الذين كانوا نعمَ الأِخوة الأعزاء.

   وأخيراً أَدعو الله العلي القدير أن أكون قد وفّـقتُ في إنارة وتوضيح جانب من جوانب الدرس الصوتي العربي, فما كان فيه من صواب فمن الله تعالى, وما كان فيه من أخطاء فمن نفسي. وحسبي أَني اجتهدت، وحاولت أن اثبت بعض الحقائق التي ذكرها علماؤنا وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.