المسؤولية الجنائية الفردية عن الجرائم ضد الانسانية في القانون الدولي الجنائي

المقدمة:

       في وقت يتجه فيه العالم نحو المزيد من التكاتف في سبيل الحفاظ على سلم وامن المجتمع الدولي، والتضامن للتصدي للمشاكل ذات البعد العالمي التي تهدد امن وسلم البشرية، فقد افرز تطور المجتمعات البشرية وتشابك العلاقات بين الدول المختلفة نوعا جديدا من الجرائم هي الجرائم الدولية، والتي وجد اعضاء المجتمع الدولي ضرورة في الوقوف مجتمعين في مواجهتها بما لا يسمح لمن يرتكبونها أو يقفون وراء إرتكابها بالإفلات من العقاب. 

      ولازالت الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الانساني تعم العالم باسره وتأخذ أشكالا متنوعة أسوئها هي الجرائم ضد الإنسانية، كونها تمثل إعتداء على أسمى حق من حقوق الإنسان وهو الحق في الحياة، ولكون هذه الجرائم تمثل خطورة بالغة وجسيمه على المجتمع الدولي كان من الضروري ان تواجه بأقسى أنواع العقوبات والجزاءات من قبل المحاكم الجنائية الدولية الخاصة والمحكمة الجنائية الدولية.

ورغم ان القرن الماضي كان القرن الذي تبلورت فيه معايير حقوق الإنسان في عدة صكوك دولية إلا ان الانتهاكات لهذه الحقوق كانت بالغة وجسيمه خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية، ففي الحرب العالمية الأولى تم خرق معاهدتي جنيف ولاهاي التي رسخت للقانون الدولي الانساني وعاقبت منتهكي هذه المعاهدات.

" وعلينا ان ندين بالفضل للقانون الدولي الجنائي الذي اسس لهذه الإنطلاقة الجديدة نسبيا في القانون الدولي الانساني، فمنذ تكريس مبدأ معاقبة كبار مجرمي الحرب من دول المحور، المتهمين بإرتكاب مخالفات جسيمه لقوانين واعراف الحرب العالمية الثانية بموجب نظام محاكم نورنبيرغ الذي جاءت به اتفاقيه لندن المعقودة في اعقاب تلك الحرب بعد التجربة الفاشلة لتطبيق نص المادة (227) من معاهدة فرساي بشأن محاكمة غليوم الثاني امبراطور المانيا وما اعقب ذلك من تطورات، أصبح مبدأ المسؤولية الدولية الجنائية للأفراد الذين يتصرفون كوكلاء للدولة، بمقتضى القانون الدولي الوضعي، في حكم المسلمات بعد ان ظل هذا المبدأ طويلا شيئا نكراً يتجاهله القانون الدولي الوضعي عمداً نزولاً عند اعتبارات سيادة الدولة التي لم تكن مستعدة للتضحية بسيادتها قرباناً للاعتبارات الإنسانية قبل حصول هذا التطور." 

ويعد مفهوم الجرائم ضد الإنسانية من المفاهيم الحديثة نسبيا في القانون الدولي الجنائي، فأول إستخدام لها كان في نظام محكمة نورنبيرغ وكذلك في نظامي محكمتي يوغسلافيا السابقة ورواند الجنائيتين الدوليتين ونظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية التي عددت أنواع الجرائم ضد الإنسانية، وتعد المحكمة الجنائية الدولية الدائمة هي الهيئة المجسدة لأنماط العدالة الدولية بصفتها القضاء الدولي الجنائي المعاصر لمقاضاة الأفراد، فهي ستشكل المحور الرئيس في دراستنا الحالية لأسباب عدة، كونها تسد النقص في ميثاق الأمم المتحدة بشأن حصر منظومة الجزاء الدولي على مسائلة الدول دون الأفراد، ومن حيث طبيعتها حيث تعد السابقة الدولية الأولى في قيام قضاء دولي جنائي دائم لمسائلة الأفراد جزائيا عند إرتكابهم لجرائم دوليه. 

وفي ضوء ذلك جاءت هذه الدراسة لتبحث في موضوع المسؤولية الجنائية الفردية عن الجرائم ضد الإنسانية في القانون الدولي الجنائي حيث ومن خلال هذه الدراسة سيتم وضع مجموعة من النتائج والتوصيات التي نأمل ان تسهم في إثراء هذا الموضوع المهم.