الادارة الاستراتيجية في القرن الحادي والعشرين - لطلبة الماجستير

مقدمة الكتاب

       هذا كتاب في الإدارة الاستراتيجية في القرن الحادي والعشرين ـ النظرية والتطبيق. تناول فيه المؤلفيْن عددًا من القضايا الرئيسية في الإدارة الاستراتيجية باعتبارها حقلاً دراسياً معرفياً حديثاً وإن كانت بعض جذورها تعود الى العصور القديمة، وباعتبارها ايضاً نشاطاً وممارسةً تأخذ بها عدد من المجتمعات والمنظمات الصناعية والتجارية والخدمية والعسكرية المعاصرة . كما أن العنوان ينصب على أن الكتاب يعالج جانبين في الادارة الاستراتيجية وهما: الجانب النظري المعرفي والجانب التطبيقي العملي.

          كذلك حرص المؤلفان على أن يتضمن العنوان الإشارة إلى الإدارة الاستراتيجية في القرن الحادي والعشرين، ذلك أن الإدارة الاستراتيجية ستكون محور اهتمام الساسة والقادة ومديري المؤسـسات والمستشارين والأكاديميين والدارسين في هذا القرن الذي يعج بتطورات كبيرة وتغييرات متواترة السرعة، ومما يدعم هذا التوجه أن المؤلفيْن استعانا بأحدث النظريات والمفاهيم في هذا الحقل سريع النمو، كما حرصا على الإفادة من المراجع الأجنبية التي أخرجتها المطابع بعد عام 2000.

          إن المؤلفيْن يريان أن الاتجاه العام لحركة التاريخ في السياسة والاقتصاد والأعمال والاجتماع هو استخدام التفكير الاستراتيجي بنظرته الشمولية التشخيصية التحليلية لما يجري من قوى وعوامل وفرص ومخاطر في المنظمات والمجتمعات، المستشرفة للمستقبل بكل ما يحمله من تغيرات وتطورات سريعة التغير قد يصعب التنبؤ بها وبآثارها ونتائجها القريبة والبعيدة.

          ومن ناحية أخرى فإن القرن الحادي والعشرين في أمس الحاجة إلى وجود وتنمية قادة استراتيجيين في جميع مجالات الحياة، يمتلكون القدرة على دراسة المواقف بأسلوب علمي موضوعي، ووضع الحلول المبتكرة للمشكلات المعقدة التي يواجهونها، وتبني استراتيجيات تلتزم بأسـس وضع الاستراتيجيات كما تقرها نظريات الإدارة الاستراتيجية وممارساتها، وتنفيذ تلك الاستراتيجيات وتقييمها. إن هذه القيادات الاستراتيجية قد تكون على مستوى المجتمعات أو المنظمات؛ سواء كانت في القطاع العام أو القطاع الخاص أو منظمات المجتمع المدني.

إن الاستراتيجية باعتبارها خطة لتحقيق أهداف بعيدة المدى هي جوهر الإدارة الاستراتيجية. لقد عرف هذا المفهوم في القديم في السياق العسكري، كما يحمل في طياته أن هناك طرفين متعارضين، وأن هدف كل طرف أن يسخّر كل المقدرات المتوفرة له ليتغلب على الطرف الآخر، وأن عليه أن يدرس جميع الظروف الخارجية والداخلية المتاحة ليكسب ميزة تمكنه من تحقيق هدفه، ثم انتقل هذا المفهوم إلى ميدان الأعمال فقامت المنظمات الصناعية والتجارية الحديثة بوضع خطط استراتيجية لها لكسب ميزة تنافسية على منافساتها وأخذ نصيب الأسد من السوق وتعظيم أرباحها .

لقد شاع استخدام الاستراتيجيات العسكرية في الحربين العالميتين الأولى والثانية ثم انتشرت مراكز الدراسات الاستراتيجية العسكرية في الغرب وقلدتها في هذا الدول النامية فيما بعد.

إن هذا الحقل الدراسي الذي استمد جذوره من الحرب والصراع قد نما بظهور كتَاب ومفكرين في مجال الأعمال يمكن أن يطلق عليهم اسم "مفكرين استراتيجيين"، فاستمدوا نظرياتهم ومفاهيمهم ومداخلهم ونماذجهم الفكرية من علوم عدة كالإدارة والاقتصاد وعلم الاجتماع وعلم السياسة والإحصاء وتكنولوجيا المعلومات، فظهر على سبيل المثال مفكرون أمثال شستر آي برنادر(Chester I. Barnard)، والفريد شاندلر (Alfred Chandler)، وإيجور آنسوف (Igor Ansof)، ومايكل بورتر (Michael Porter)، وهنري منتزبرج (Henry Mintzberg)، ومن ثم بدأت الجامعات في الدول الغربية تدرِّس تلك النظريات والمفاهيم والمداخل والنماذج الفكرية لطلابها تحت مسمى الإدارة الاستراتيجية التي هي فرع متخصص من فروع الإدارة ويحصل فيها بعض الدارسين على درجات علمية متقدمة مثل الماجستير والدكتوراه. على أن هذا التخصص لم يستمد جذوره فقط من علوم اجتماعية أشرنا إلى بعضها بل صب فيه رافد على درجة كبيرة من الأهمية هو رافد الخطط الاستراتيجية التي وضعها مديرون لكبريات المنظمات الصناعية والتجارية في الغرب يعاونهم في هذا خبراء أو مستشارو تخطيط استراتيجيون. لقد أملت تلك الخطط الاستراتيجية عوامل وقوى اقتصادية ضاغطة كاتساع الأسواق واشتداد المنافسة بين المنظمات وزيادة التبادل التجاري بين الأمم وانتشار الأسواق المالية، كما أملاها أيضًا تطورات علمية وتكنولوجية سريعة كظهور الاختراعات التكنولوجية الحديثة وثورة المواصلات والاتصالات واستخدامات الكمبيوتر، وانفتاح الحدود والاتصال بين الدول والأمم والشعوب. كما دفع إليها تغيرات اجتماعية وديموغرافية كاتساع التحضر وظهور المدن الكبرى، وانتشار التعليم والمعرفة في المدارس والجامعات، وتحسن الخدمات الطبية والصحية، وظهور وتنامي المؤسـسات المختلفة التي تعتني بكل مظاهر التغيرات الاقتصادية والتكنولوجية والاجتماعية والثقافية والعلمية.

ولم تقتصر تلك التغيرات التي نجم عنها التخطيط الاستراتيجي والخطط الاستراتيجية على الدول الصناعية بل امتد إلى الدول النامية ومنها الدول العربية، فعرفت ما أطلق عليه مصطلح خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية في النصف الثاني من القرن المنصرم، والخطط الاستراتيجية في الإدارة والتربية وفي القطاعين العام والخاص والمؤسـسات الاجتماعية والمؤسسات العامة ومنظمات المجتمع العربي.

إذاً، فإن هذا الكتاب يبحث في الإدارة الاستراتيجية من حيث كونها حقلاً من حقول الدراسة وتخصصاً جديداً من تخصصات الإدارة، ومن حيث كونها نشاطًا وممارسةً وتطبيقًا. والإدارة الاستراتيجية في المفهوم الأول هي النظرية في هذا الكتاب، لقد قدمنا في القسم الأول من الكتاب خلفية عامة عن الإدارة والتخطيط والتخطيط الاستراتيجي، ثم مفهوم الإدارة الاستراتيجية ووظائفها وأهميتها ومحاذيرها. ثم إن المؤلفيْن تبنيا أنموذجًا فكريًا أسمياه الأنموذج الشامل لعمليات الإدارة الاستراتيجية، ويتكون من أربع عمليات (عناصر) رئيسية هي صياغة الاستراتيجية وتنفيذ الاستراتيجيات وتقييم الاستراتيجيات والتغذية الراجعة، ثم تعرضت الفصول التالية إلى رسم فلسفة المنظمة من حيث وضع الرؤية والرسالة والغايات والأهداف والقيم الرئيسية، ثم التحليل الرباعي (SWOT Analysis)، ثم أنواع الاستراتيجيات في المنظمة مثل الاستراتيجية العليا للمنظمة (Corporate Strategy)، واستراتيجيات الأعمال (The Business Strategy)، واستراتيجية الوظائف (Functional Strategy)، ثم تناولنا تنفيذ الاستراتيجيات ثم تقييمها، ثم ختمنا الجانب النظري من الكتاب بمعالجة قضايا محددة في الإدارة الاستراتيجية فبحثنا استراتيجية المحيط الأزرق كاستراتيجية جديدة لا تقوم على التنافس بل على خلق أسواق جديدة وخلق قيمة (Value Creation) في المنظمة، واليقظة الاستراتيجية (Strategic Vigilance)، والتخطيط والإدارة الاستراتيجية في العالم العربي، ثم تعرضنا لفصل مستقل عن مستقبل الإدارة الاستراتيجية.

أما عن التطبيق في هذا الكتاب فيتمثل في النواحي التالية:

1. تطعيم النظريات والمفاهيم في الإدارة الاستراتيجية بأمثلة من الواقع العالمي والعربي.
2. إنهاء كل فصل في الكتاب بملخص ثم بأسئلة وأنشطة تحث على التفكير والقيام بكتابة أبحاث وواجبات معينة.
3. وضع لوحات شارحة عن بعض رواد التفكير الاستراتيجي، وأخرى عن مقابلة مع مدير عربي من أكثر من بلد عربي.
4. لوحات شارحة تتضمن قصصًا قصيرة أو نبذة عن الحيوانات والتخطيط الاستراتيجي.
5. تخصيص القسم الثاني من الكتاب لعمليات التطبيق، فكانت هناك نماذج فكرية للإدارة الاستراتيجية، وحالات إدارية وأمثلة لاستراتيجيات في مؤسـسات أردنية وعربية ونصوص، وتمارين وصحف عمل، وقد طلب في نهاية كل نوع من أنواع هذه التقنيات بالإجابة عن أسئلة تحث على التفكير والإبداع.

السؤال الآن من هو الجمهور المستهدف الذي يمكن أن يفيد من دراسة هذا الكتاب؟. يعتقد المؤلفان أن الكتاب يستهدف الفئات التالية من الدارسين:

1. طلاب الإدارة والسياسة والاقتصاد في مرحلة البكالوريوس والدراسات العليا.
2. المديرين ورؤساء الأقسام في المؤسـسات في القطاع العام والخاص الذين يرغبون في التصدي لوضع استراتيجيات لمؤسـساتهم.
3. الخبراء في التخطيط والتخطيط الاستراتيجي.
4. المدربين والمتدربين في الإدارة الاستراتيجية والتخطيط الاستراتيجي والقيادة الإدارية وإدارة التغيير.
5. القارئ العام الذي يبغي أن يدرس موضوعًا يحظى بأهمية متزايدة في العلوم الاجتماعية.

إن هذا الكتاب يتميز بملامح (Features) هذه أبرزها:

1.    بدء الكتاب بأقوال تتعلق بالإدارة الاستراتيجية والخطط الاستراتيجية، ثم بدء كل فصل بأقوال تتعلق بموضوع الفصل وبأهداف أدائية (Performance Objectives) وملخص وأسئلة وأنشطة في نهاية الفصل.

2.    تطعيم الكتاب بلوحات شارحة تجعل من قراءة الكتاب قراءة ممتعة مشوقة، فبعض هذه اللوحات الشارحة تتعلق بالحيوانات والاستراتيجية، وبعضها عن رواد في الفكر الاستراتيجي، وبعضها تتضمن مقابلة مع مدير عربي معاصر تناولت بعض اهتمامات ذلك المدير.

3.    الاستعانة بأحدث المراجع بالعربية والإنجليزية ومنها مراجع صدرت عام 2012، وعام 2013.

4.    الحرص على تبسيط المفاهيم وتوضيحها باستخدام الأشكال والخرائط الفكرية التي بلغ عددها (48).

5.    ربط النظرية بالواقع العملي ما أمكن، وهنا نقول أن المؤلفَيْن حرصا أن يكون في الكتاب لمسة عربية، وتمثل ذلك بإيراد أمثلة من واقع المنظمات العربية، ومعالجة التخطيط والخطط الاستراتيجية في العالم العربي، وفي الحرص على أن تكون هناك أقوال في التخطيط من القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف ومن التراث العربي، وأن تكون كذلك في الكتاب حالات من الواقع العربي والأردني وأمثلة لخطط استراتيجية من الأردن والعالم العربي.

6.    الحرص على ربط الإدارة الاستراتيجية كحقل دراسي وممارسة ونشاط بالماضي، فعرضنا لجذورها التاريخية ثم اجتهدنا وحاولنا استشراف مستقبل هذه الإدارة، فعرضنا لما يزيد عن عشرة اتجاهات مستقبلية اعتقدنا أنها ستكون مسارات مستقبلية لهذه الإدارة التي يثبت الواقع أنها عامل حاسم في تغيير واقع الأعمال والحياة في العالم بوجه عام والعالم العربي بوجه خاص.

ومن الجدير بالذكر أن مما ساعد المؤلفَيْن في ترسيخ هذه الملامح في القسم النظري والتطبيقي من الكتاب خبرة المؤلفَيْن في تدريس مادة الإدارة الاستراتيجية في الجامعات الأردنية وفي إعداد بحوث ودراسات تتناول جانبًا أو أكثر من الإدارة الاستراتيجية، وفي وضع استراتيجيات في مؤسـسات عملا بها أو في مهام استشارية خارجية.

والآن، فإن هذا الكتاب يضم بين دفتيه الفصول التالية في الجزء النظري:

الفصل الأول: خلفية عامة عن الإدارة وبيئتها الخارجية والدلالات للإدارة الاستراتيجية General Background about Management, Its External Environment and Implication to Strategic Management

الفصل الثاني: الإدارة الاستراتيجية Strategic Management

الفصل الثالث: رسم فلسفة المنظمة Formulation of the Organization Philosophy

الفصل الرابع: التحليل الرباعي SWOT Analysis

الفصل الخامس: بناء استراتيجيات المنظمة ـ الاستراتيجية العليا للمنظمة Building the Organization Strategies – The Corporate Strategy

الفصل السادس: بناء استراتيجيات المنظمة ـ استراتيجيات الأعمال واستراتيجيات الوظائف Building the Organization’s Strategies – The Business Strategies and Functional Strategies

الفصل السابع: تنفيذ الاستراتيجيات Implementation of Strategies

الفصل الثامن: تقييم الاستراتيجيات Evaluation of Strategies

الفصل التاسع: قضايا في الإدارة الاستراتيجية Issues in Strategic Management

الفصل العاشر: مستقبل الإدارة الاستراتيجية The Future of Strategic Management

       كما يضم الموضوع المتعلق بالتطبيق نماذج فكرية (Conceptual Models) لاستراتيجيات وحالات وأمثلة لخطط استرتيجية من الأردن وأقطار من العالم العربي مثل المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين، ونصوص ذات علاقة بالاستراتيجية، ونماذج (Forms) وصحف عمل (Work Sheets).

       ونود في ختام هذه المقدمة أن نزجي وافر الشكر والتقدير لكلٍ من:

·        الصديق العزيز الوفي الأستاذ فائق حمدان القدومي الذي تفضل بقراءة مسودة الكتاب وأدخل فيها تحسينات عديدة، يمده في هذا علمٌ غزير وقدراتٌ متميزة في اللغة العربية والانجليزية، وتواضعٌ جم، نسأل الله له مزيدًا من العطاء والصحة والعافية والعمر المديد.

·        شريكتي العمر: وطفة الجابي زوجة الاستاذ الدكتور عبد الباري درة، وتمارا جرادات زوجة الدكتور ناصر جرادات، اللتين أمدتانا بالعون والمساعدة والصبر والتحمل وإبداء الرأي السديد فيما كان يعرض عليهما من مواضيع أثناء الكتابة، وكانتا عونًا وسندًا ودافعًا لنا ونحن نعكف على إعداد هذا الكتاب.

والله نسأل أن ينفع الأمة بهذا الكتاب الذي اجتهدنا أن يكون في ثوبٍ جديد من العبارة والصياغة والمفاهيم والتوجهات لعله يكون حافزًا للمهتمين بالإدارة الاستراتيجية والتخطيط الاستراتيجي لتبني النظرة الشاملة المستقبلية لمنظماتهم. فإن اجتهدنا فلنا أجران، وإن أخطأنا فلنا أجر واحد، راجين أن لا يضن علينا الزملاء والدارسون بملاحظاتهم التي نعد أننا سنأخذ بها في الطبعات القادمة للكتاب بإذن الله.

ولله المنة من قبل ومن بعد، هو مولانا ونصيرنا، فنعم المولى ونعم النصير

المؤلفان